الأربعاء، ٣ أغسطس ٢٠١١

لماذا حزب العدل ؟

لدي هاجس كبير وبدأ يكبر شيء فشيئا. نظام مبارك كان قائما على قوة صلبة تتمثل في الجيش والشرطة ورأس المال الدولي والوطني وقوة رخوة تتمثل في النخبة من الساسة والمفكرين. الثابت لدي أن الثورة قضت على القوة الرخوة بسهولة وبدأت تنفذ للقوة الصلبة وارتطمت بقوة جدا بها. أكبر خطر على الثورة أن هناك حالة من التكالب حتى بين الثوار أنفسهم أو معظمهم على الأقل من أجل حجز مكان في نخبة جديدة بدأت تتشكل أو بدأ يلوح في الأفق صراع مرير حول تشكيلها. إذا سارت الأمور على هذا النحو سوف نعيد إنتاج تجربة نخبة مبارك ولن يتغير شيء حقيقي في المجتمع المصري. لا يهم إذا أخذت القوة الرخوة والنخبة السياسية-الفكرية طابع ديني أو ليبرالي، المهم فعلا هو إعادة صياغة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع من أجل بناء دولة ومجتمع عدل وحرية تكون فيه النخبة معبرة عن الشارع وتصل فعلا للحكم تعبيرا عن الإرادة الشعبية، وهذا هو سبب قيام الثورة ومن أجل ذلك ضحى الشهداء بأرواحهم. ويقابل ذلك الوضع المنشود الوضع خلال نظام مبارك والوضع في المنطقة بشكل عام طوال العقود التالية على الاستعمار والوضع الذي يراد استمراره أو إعادة إنتاجه في مصر حاليا وهو أن تعبر النخبة عن هوى الحاكم الفعلي (قيادات الجيش طبعا في حالتنا) والذي يحكم ويستمر في الحكم كنتاج لتوازنات دولية وإقليمية معينة وليس تعبيرا عن الإرادة الشعبية الحقيقية.

والثابت لدي أن هذا لن يحدث إلا بمرور الوقت وصعود جيل جديد من السياسيين والمفكرين يشكل نخبة جديدة ويحصل على ثقة المواطنين وينعكس ذلك على نتائج الانتخابات فيصل للحكم برغبة شعبية حقيقية. هذا ما فعله حزب العدالة والتنمية في تركيا من خلال ثورة بكل المقاييس ولكنها ثورة هادئة لم تأخذ حقها من الدراسة. لقد أزاح هذا الحزب القوة الرخوة في المجتمع التركي ثم نفذ للقوة الصلبة في تركيا واستطاع أن ينهي هيمنة الجيش على الحياة السياسية هناك وكل ذلك من خلال الإرادة الشعبية للناخبين بحيث حول نظام شبه ديمقراطية إلى ديمقراطية حقيقية. الثورة المصرية فتحت الباب لحالة من شبه الديمقراطية والتحول للديمقراطية الكاملة يحتاج لظهور نخبة جديدة في الحياة السياسية يلتف حولها الشعب. وهنا تكمن الفرصة وهنا أيضا تكمن الخطورة. التيار الليبرالي لا يمكن أن ينفذ للقوة الصلبة وسوف يحتاج دائما للقوة الصلبة خاصة أجهزة القمع لفرض نفسه على الواقع السياسي، ونفس الشيء ينطبق بدرجة أقل على التيار الديني. والتياران رغم الاستقطاب الحاد بينهما يغازلا القوة الصلبة (أقصد الجيش) من دون شك فلا يمكن لأي تيار منهما أن يحصل على التأييد الشعبي الجارف الذي يمكنه من النفاذ للقوة الصلبة والحكم الفعلي. لا تخدعكم المظاهر. الباحث بعناية سوف يجد الكثير من الأدلة على هذه المغازلة أو على الأقل مقدماتها. وأسهل طريقة لبقاء عناصر القوة الصلبة في الحكم هو ضرب كل تيار بالتيار الآخر، وهو ما يعرف بالاحتواء المزدوج في علم السياسة، فيكون هاجس كل تيار رضا الحاكم واستبعاد وتهميش التيار الآخر بدلا من السعي للحصول على المزيد من أصوات الناخبين. وهكذا نعود لحالة العجز السابقة خاصة مع تقوقع كل تيار واقتصاره على مجموعة من المؤيدين المتحمسين دون القدرة على اختراق الأغلبية الصامتة التي تعزف عن المشاركة في الحياة السياسية لأنها لا تجد من يعبر عنها. والواقع أن هذه الحالة سوف تكون اخطر بكثير من حالة العجز أيام مبارك لأنه سوف يوجد ديكور ديمقراطي استقطابي الطابع يغلف كل هذا ويسهل كثيرا من قدرة الحاكم الفعلي ومن وراءه على إدارة الأمور. لقد كان نظام مبارك أغبى من أن يبدع ذلك، ولكني أرى بدايات لهذا النظام شبه الديمقراطي تتشكل، وسوف يكون من المحزن جدا ألا يسفر كل ما قدم من تضحيات في سبيل خلق واقع جديد ومختلف عن أكثر من هذا.

ومن هنا يأتي تفرد تجربة حزب العدل والذي يعد محاولة جادة من أجل بناء تيار يتجاوز عيوب التيارين الليبرالي والديني بما يؤدي إلى تغيير حقيقي في المعادلة السياسية بمرور الوقت عن طريق تحقيق اختراق كبير في التركيبة السياسية عبر الوصول لعقول وقلوب المواطنين. ومن الواضح جدا الآن أن النفاذ للقوة الصلبة في النظام المصري – خاصة في ضوء الأحداث خلال الأشهر الماضية - لن يتأتى إلا بنقل الثورة إلى أصوات للناخبين تجبر الجيش على التراجع من المشهد السياسي والتسليم بريادة قادة من المدنيين مدعومين بالإرادة الشعبية. هذا لن يحدث بين يوم وليلة ويحتاج إلى مجهود ومثابرة وثقة في المشروع وقد يأخذ الموضوع عدة سنوات. وهذه ليست دعوة لمواجهة المجلس الأعلى الآن. لا يوجد في رأيي من يقوى على ذلك حاليا لأن من يقوى عليه يحتاج لثقة 60% أو أكثر من المواطنين وهذا موضوع ليس سهلا.

لقد انضممت لحزب العدل لأني شعرت أننا وضعنا يدنا على طرف الخيط وأننا إزاء تجربة ممكن أن تنجح مع الوقت في تحقيق مثل هذا الاختراق في الحياة السياسية. وكل يوم أشعر بأن تقديري كان في محله. وبإذن الله سوف نحقق أحلامنا لهذا الوطن من خلال حزب نبنيه سويا بسواعدنا وإيماننا

0 التعليقات:

إرسال تعليق