الثلاثاء، ١٩ يوليو ٢٠١١

سيريالية ميدان التحرير

قد نرى و قد لا نرى ما في السيرياليه من جمال، ولكننا لن نستطيع أن ننفى عن السيرياليه صفتها الفنيه، فهي إن شئنا أو أبينا نوع من أنواع الفنون التي قد تصل قيمتها لدي البعض الى ملايين الجنيهات، وقد يراها البعض الأخر فن تفاهه و خطوط فنيه عشوائية، ولكننا سنتفق على أنها فــن.. وكل فوله بقى و ليها كيال.

وجدت نفسي في أحد أيام الأسبوع الماضي مشاركاً في لوحه سيرياليه غريبة في ميدان التحرير تتناغم فيها خطوط الأسلحة البيضاء لبعض البلطجيه مع دروع من ألواح خشبيه لرجال اللجان الشعبيه على مدخل طلعت حرب، يعلوهم أحد الشباب فوق إحدى المنصات يهتف مهددا اياهم بمحكمة ستنصب لهم في الميدان و مطالبا برأس المخلوع، في حين يدخل البعض الاخر الى الميدان بعد أن يتم تفتيشه جيدا غير مهتم بما يحدث، و يعلو صوت الدي جي ف الخلف بأغنية.. يا حبيبتي يا مصر يا مصر.. كخلفيه موسيقيه لكل تلك الخطوط السيرياليه..

بدأت افقد توازني العقلي و مش فاهم أي حاجه.. انا مش عارفني .. انا مش أنا.

و بعد لحظات من هدوء الموقف .. صعدت إحدى العمارات لألقي نظرة على ميدان التحرير لأجد خيام، مظله، تأمين، متظاهرين، هتافات، باعة جائلين، أطفال.. أعلام مصر، رسومات عملاقة على الأرض و جرافيتي على الحوائط، معتصمين يغطون في سبات عميق من التعب و الإجهاد.

توقفت لحظات لأسأل نفسي.. هو ده حلو ولا وحش؟

وبدأت في العوده لبعض الصور الذهنيه في عقلي لدماء، جمال و خيول، سيارات متفحمه، قناصه، مصابين، كر وفر.. جثث و مصابين يمينا و يسارا، خوذات سوداء، أدخنه، نيرات ومولوتوف.. لأجد أني اؤكد لنفسي فكرة أن شكل الميدان حلو جدا دلوقتي، ولكنه يحتاج الى بعض المنطق في التحليل.

فلن تستطع ان تتفهم سبب إن شكل الناس في الميدان بقى مريب، الا إذا افترشت الرصيف و نمت كأحد أطفال الشوارع لمده ثلاث أو أربعة أيام، لن تستطع ان تتفهم ان بعض الناس لابسين فانلات و مش نضيفه الا اذا أحسست تلك الحرارة التي يطلقها اسفلت الميدان ليلا مصحوبة برطوبه سافله.

لن تستطع ان تحس ما في سيريالية ميدان التحرير من فن.. الا اذا راجعت ما في جعبتك من مطالب لتجد أن اياً منها لم يتم تنفيذه.. و أن ما يتم هو الألتفاف حولها.

قد نختلف على شكل ميدان التحرير الان.. ولكننا لن نختلف على ان من بالميدان يبنون المجد لنا و لوطننا، يحاولون قدر إستطاعتهم أن يبدأوا البناء الان، حتى يجنوا ثمرته قريبا ليستمتعوا به.. و حتى لا يصلوا الى تلك اللحظه التي لن يجدوا فيها ما يقال سوى "لقد هرمنا".

لن تستطع ان ترى ما في ميدان التحرير من قوة و جمال دون تتوغل به لتحضر تلك الندوات اللي تناقش أليات التغيير و المشاريع التنمويه و حتى تلك الندوات التي تعمل على الحديث عن الأحلام و الأماني بصوت عال.

لن تستطع ان ترى ما في ميدان التحرير من جمال الا اذا نظرت الى عين أحد اطقال الشوارع سعيداً بتقاسمك رصيف الشارع نائما معه لتحس نفس إحساسه الناتج عن تجني المجتمع عليه و ظلمه له.

لن تستطع أن ترى ما في اللوجه الميدانيه من جمال إلا اذا اكتشفت ان الكثيرين به قد قاربت نقودهم على النفاذ فيتقاسمون ما لديهم من طعام و شراب.

لن تستطع ان تدافع عن ميدان التحرير ضد المندسين و البلطجيه و فلول النظام البائد و المجلس العسكري و منصور العيسوي و كل تلك القوى، الا اذا كنت مؤمنا فعلاً بقضيه لن تحيد عنها و لن تتخلى عنها الا شهيدا في سبيلها.

قد تكون الخطوط الفنية في الميدان عشوائية لكنها فعلا فنيه.. ولن تستطع ان تتفهم ما بتلك اللوحه السيرياليه من فن الا اذا شاركت في رسم احد الخطوط بها.

شارك الأن لتفهم.. أو أصمت للأبد

0 التعليقات:

إرسال تعليق